خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 21 رمضان 1443هـ، الموافق 22 أبريل 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 أبريل 2022م بصيغة word بعنوان : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 أبريل 2022م بصيغة pdf بعنوان : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 أبريل 2022م بعنوان : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر .
أولًا: وبدأتْ العشرُ الأواخرُ.
ثانيــــًا : هديُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في العشر .
ثالثًا وأخيرًا: العشر الأواخر أغلى من الذهب فاغتنموها .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 أبريل 2022م بعنوان : العشر الأواخر من رمضان وواقعنا المعاصر : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ وواقعُنَا المعاصرُ د. محمد حرز بتاريخ: 20 رمضان 1443هــ – 22أبريل 2022م
الحمدُ للهِ الملكِ العلامِ، القدوسِ السلامِ، ذي الطولِ والإنعامِ، والعزةِ والإكرامِ، نحمدُهُ أنْ هدانَا للإسلامِ، وبيّنَ لنا الحلالَ والحرامَ، وشرفَنَا بالصيامِ والقيامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ؛ القائلُ كما في حديثِ عَائِشَةَ رضى اللهُ عنها قالتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ (( رَوَاهُ مسلم ، فاللهم صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، وجاهدَ الكفارَ في شهرِ الصيامِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيُّها السادةُ:(( العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ وواقعُنَا المعاصرُ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: وبدأتْ العشرُ الأواخرُ.
ثانيــــًا : هديُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في العشر .
ثالثًا وأخيرًا: العشر الأواخر أغلى من الذهب فاغتنموها .
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ، وخاصةً والكثيرُ مِن الناسِ أصابَهُم الكسلُ والخمولُ والفتورُ وكأنَّهَا مباراةً لكرةِ القدمِ، وخاصةً وها هو شهرُ رمضانَ أوشكَ على الرحيلِ، قد أصفرتْ شمسُهُ وأذنتْ بالغروبِ، ولم يبقَ إلا الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ لمَن تابَ وأنابَ واستغفرَ وعادَ، وخاصةً والطاعاتُ في هذه العشرِ أعظمُ فضلًا، وأرفعُ قدرًا، وأكثرُ حمدًا، وأكرمُ أجرًا، وذلك لأنَّها عشرُ التجلياتِ، عشرُ النفحاتِ، عشرُ العتقِ مِن النيرانِ، عشرُ الرحماتِ، عشرُ المغفرةِ، عشرُ إقالةِ العثراتِ، وتكفيرِ السيئاتِ، ورفعِ الدرجاتِ، فهل مِن تائبٍ فهل مِن نادمٍ فهل مِن مستغفرٍ فهل مِن عادٍ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ قبلَ الرحيلِ .
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولاً: وبدأتْ العشرُ الأواخرُ.
أيُّها السادةُ: وبدأتْ العشرُ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) آل عمران 140، بدأتْ العشرُ وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) آل عمران 185، بدأتْ العشرُ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)) الرحمن ، بالأمسِ القريبِ كُنّا ننتظرُ شهرَ رمضانَ وها نحنُ في العشرِ الأواخرِ منهُ فهل مِن متعظٍ ومدكرٍ؟ قال الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: يا ابنَ آدمَ إنَّما أنتَ أيامٌ إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك!!!
بدأتْ العشرُ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم إذ يقولُ : « مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ». رواه الترمذي وللهِ درُّ القائل
غدًا تُوفَّي النفوسُ ما كسبتْ *** ويحصدُ الزارعونَ ما زرعُوا
إنْ أحسنُوا أحسنُوا لأنفسِهم *** وإنْ أساءُوا فبئسَ ما صنعُوا
بدأتْ العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ وبدأَ السباقُ الحقيقيُّ وفي ذلك فليتنافسْ المتنافسُون إنَّها ليالي العابدين، وقرةُ عيونِ القانتين، وملتقَى الخاشعين، ومأوى الصابرين.. ليالي قصيرةٌ لا مجالَ فيها مِن التقصيرِ فيها يحلو الدعاءُ، ويكثرُ البكاءُ.. وتخشعُ القلوبُ والأبدانُ إنَّها ليالٍ معدودةٌ وساعاتٌ محدودةٌ، فيا حرمانَ مَن لم يذقْ فيها لذةَ المناجاةِ ، ويا خسارةَ مَن لم يضعْ جبهتَهُ فيها ساجدًا للهِ ربِّ الأرضِ والسماوات !!، إنَّها ليالٍ يسيرةٌ.. والعاقلُ يغتنمُهَا؛ لعلهُ يفوزُ بالدرجاتِ العُلا في الجنانِ.. إنَّها ليستْ بجنةٍ بل جنان.. فيا نائمًا متى تستيقظُ؟! ويا غافلاً متى تنتبه؟ يا مقصرًا متى تلتزمُ؟ ؟ يا تائهًا متى تفيقُ ؟ويا مجتهدًا اعلمْ أنَّك بحاجةٍ إلى مزيدٍ مِن الاجتهادِ والطاعةِ، ولا أظنُّكَ تجهلْ هذه الآيةَ {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} التوبة: 105. ، فماذا سيرى اللهُ منك في هذه العشرِ؟! ومِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْعَشْرِ؛ وُجُودُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِيهَا، وَهِيَ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَيْلَةٌ مباركةُ قَالَ عنها ربنا ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 1 – 3]، قَالَ عنها نبيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ خَصَّ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِخَصَائِصَ عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: أَنَّهُ جل وعلا أنَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ: جُمْلَةً وَاحِدَةً، مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَصَّلاً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. بل وَصْفُهَا الله جل وعلا بِأَنَّهَا خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ وَوَصْفُهَا جلَّ شأنُهُ وتقدستْ أسماؤُه بِأَنَّهَا لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، قال جلَّ وعلا﴿ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3
فِي هَذِه اللَّيْلَةِ أيها الأخيار يَكْثُرُ فيها تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ ؛ لِكِثْرَةِ بَرَكَتِهَا، قَالَ تَعَالَى﴿ تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ القدر: 4 وَالرُّوحُ: هُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ. وَهِيَ لَيْلَةٌ سَالِمَةٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سُوءًا، أَوْ يَعْمَلَ فِيهَا أَذًى، وَتَكْثُرُ فِيهَا السَّلَامَةُ مِنَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ؛ لما يَقُومُ به الْعِبَادُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. ويَغْفِرُ اللهُ تَعَالَى لِمَنْ قَامَهَا إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ النَّبِيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما في حديث أبي هريرة(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى: (إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً) أَيْ: تَصْدِيقاً بِوَعْدِ اللهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَطَلَباً لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آَخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمِنْ عَظَمَتِهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي شَأْنِهَا سُورَةً تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَكَرَ فِيهَا شَرَفَ هَذِهِ اللَّيْلةِ، وَعِظَمَ قَدْرِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾[القدر: 1 – 5.فالْعِبَادَةُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَهَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَفِي هَذَا تَرْغِيبٌ لِلْمُسْلِمِ وَحَثٌّ لَهُ عَلَى قِيَامِهَا، وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللهِ بِذَلِكَ، وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَيَتَحَرَّاهَا؛ مُسَابَقَةً مِنْهُ إِلَى الْخَيْرِ، وَهُوَ الْقُدْوَةُ لِلْأُمَّةِ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ، وَفِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ آَكَدُ، لِحَدِيث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَحَرُّوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.لذا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَيَّامِ وَلَيَالِي هَذِهِ الْعَشْرِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَضَرُّعِ إِلَى الله. قَالَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) رَوَاهُ التِّرمذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.ولله درُّ القائل
شهرٌ يفوقُ على الشهورِ بليلةٍ *** مِن ألفِ شهرٍ فضلتْ تفضـيلًا
طُوبى لعبدٍ صحَّ فيه صيامُهُ *** ودعا المهيمنَ بكرةً وأصيــلًا
وبليلةٍ قــد قامَ يختمُ ورده *** متبتـــلًا لإلهــهِ تبتــيلًا
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيــــاً : هديُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في العشرِ .
أيُّها السادةُ: نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم هو قدوتُنَا وهو أسوتُنَا وهو معلمُنَا وهو مرشدُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم الذي ينبغِي أنْ نسيرَ على دربِهِ وأنْ نكتفِيَ أثرَهُ تقولُ عائشةُ رضى اللهُ عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلم. حَيْثُ كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهَا وَيَتَحَرَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ خِلَالَهَا فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ مِئْزَرَهُ وجَدَّ”، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
أحيا ليلَهُ بالصلاةِ والذكرِ والاستغفارِ كان يُصلِّى كما في حديثِ المغيرة حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) متفقٌ عليه وفي سننِ النسائي قالتْ عائشةُ رضى اللهُ عنها أنَّها قالتْ لا أعلَمُ نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قرأَ القرآنَ كُلَّهُ في ليلةٍ ، ولا قامَ ليلَةً حتَّى الصَّباحِ ، ولا صامَ شَهْرًا قطُّ كاملًا غيرَ رمضانَ) وقِيامُ اللَّيلِ مِن نوافِلِ الخَيرِ ومِن أجَلِّ القُرُباتِ، وأعظَمِهَا عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد رَغَّبَ فيه الشَّرعُ الحَنيفُ، وبَيَّنَ عَظيمَ أجرِهِ، وكَثيرَ فَضلِهِ، كما في هذا الحَديثِ الذي رواه أبو الدرداء رضى اللهُ عنه قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “عَليكم بقيامِ اللَّيلِ”، الزَمُوا قيامَ اللَّيلِ، وداوِمُوا عليه، وحافِظُوا على أدائِه؛ “فَإنَّه”، أيْ: قيامَ اللَّيلِ، “دَأْبُ الصَّالِحينَ قَبلَكم”، فهو سُنَّةُ الصَّالِحينَ وعادَتُهم وشَأنُهم مِمَّنْ كانَ قَبلَكم مِنَ الأُمَمِ السَّابِقةِ، “وإنَّ قيامَ اللَّيلِ قُربةٌ إلى اللهِ”، فمَن صلَّى قيامَ اللَّيلِ فإنَّه يَتقَرَّبُ ويَتوَدَّدُ إلى اللهِ بصَلاتِهِ تلك، “ومَنْهاةٌ عنِ الإثْمِ”، أي أنَّ مَن وَاظَبَ على قيامِ اللَّيلِ فإنَّه يَنهاهُ ويَمنَعُه منِ الوُقوعِ في الآثامِ والرَّذائلِ، “وتَكفيرٌ لِلسَّيِّئاتِ”، ومَحوٌ لِلخَطايا، ومَغفِرةٌ لِلذُّنوبِ، “ومَطرَدةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ”، فقيامُ الليلِ يَطرُدُ الأمراضَ والأدواءَ عَنِ الجِسمِ، أو هو حالةٌ مِن شَأنِها إبعادُ الدَّاءِ، سَواءٌ الدَّاءُ المادِّيُّ أوِ المَعنَويُّ.
وأيقظَ أهلَهُ: لا تُصلِّى وحدَكَ، وتتركْ زوجتَكَ وأولادَكَ نائمين ،فكلكُم راعٍ وكلكُم مسئولٌ عن رعيتهِ وهذه أيامُ نفحاتٍ أيامُ رحماتٍ أيامُ عتقٍ مِن النيرانِ ، وليس أنْ يجتهدَ الأبُ وحدَهُ، والبقيةُ نائمون، وإنَّما هي أيامُ اجتهادٍ واستنفارٍ عامٍ في البيتِ لهذا الحدثِ الكبيرِ الذي وقعَ، وهو دخولُ العشرِ، قال جلَّ وعلا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) } [سورة التحريم آية رقم [6] وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” متفق عليه.
وفي حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال قال رسولُ اللهِ رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى، وأيقَظَ امرأتَهُ، فإن أبَتْ، نَضحَ في وَجهِهَا الماءَ . رحمَ اللَّهُ امرأةً قامَت ْمِنَ اللَّيلِ فَصلَّتْ، وأيقَظَتْ زوجَهَا، فإِنْ أبَى، نَضَحَتْ في وَجهِهِ الماءَ كُتِبَا مِن الذَّاكرينَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتِ))
وَشَدَّ مِئْزَرَهُ :كِنَايَةٌ عَنِ الاِسْتِعْدَادِ لِلْعِبَادَةِ وَالْاِجْتِهَادِ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ. وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ وَتَرْكِ الْجِمَاعِ، وَاغْتِنَامِ الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا وأخيرًا: العشرُ الأواخرُ أغلَى مِن الذهبِ فاغتنمُوهَا .
أيُّها السادةُ : العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ منحةٌ ربانيةٌ وغنيمةٌ إلهيةٌ ونفحةٌ مِن نفحاتِ الرحمنِ يتنافسُ فيها المتنافسونَ ويستغفرُ فيها المستغفرونَ ويتوبُ فيها المذنبون، نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّكُم ألَا فتعرضُوا لها لماذا يا رسولَ اللهِ ؟ لعلَّ أنْ تصيبَكُم نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّكُم فلا تشقونَ بهَا أبدًا.
كيف اغتنمُ هذه العشرَ؟ بتجديدِ التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ والندمِ على ما فرطتُ في جنبِ اللهِ قال تعالي: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) [ الزمر: 53]. فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا فهل مِن توبةٍ قبلَ فواتِ الأوانِ؟ فسبحانَ مَن يبسطُ يدهُ بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ ويبسطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ، هل مِن توبةٍ تمحُو الخطايا والذنوبَ؟ قال ربُّنَا:(إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } الفرقان:71]
اغتنمْ هذه العشرَ بالصلاةِ والقيامِ والتهجدِ بين يدى اللهِ بذلٍ وانكسارٍ فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أنَّهُ قال : (ن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) متفق عليه
اغتنمْ هذه العشرَ بالإكثارِ مِن الدعاءِ، ولا سيَّمَا ذلكم الدعاءُ العظيمُ المأثورُ الذي علمَهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- أمَّ المؤمنين عائشةَ -رضي اللهُ عنها-، ففي الترمذي أنَّ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- قالتْ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدرِ أيَّ ليلةٍ هي، فماذا أقولُ؟ قال: “قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي“))فإذا أردتَ أنْ يعفو عنك الملكُ فلابدَّ وأنْ تعفو عن الناسِ قالَ ربُّنَا : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) [سورة الأعراف: 199]وكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ»، رواه مسلم
خـلِّ الـذنوبَ صغيرَهَا … وكبيرَهَا ذاك الـتُقى
واصنعْ كماشٍ فوقَ أرضِ … الشوكِ يحذرُ ما يرى
لا تـحـقـرنَّ صـغيرةً .. إنَّ الجبالَ مِن الحصَى
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
أيُّها السادةُ : اغتنمُوا هذه العشرَ بالذكرِ والاستغفارِ وقراءةِ القرآنِ ,قال أحدُ الصالحين يومًا لجلسائِهِ: أنا اعلمُ متي يذكرونِي ربِّي؟ فتعجبَ الناسُ فسألوهُ كيف ذلك؟ أي متي يذكرُكَ ربُّكَ؟ قال: أمَا قرأتُم قولَ اللهِ تعالي : { فاذكرونِي أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] فإذا ذكرتَ مولاكَ ذكركَ مولاكَ ومَن أنتَ حتي يذكركَ مولاكَ؟ أنت العبدُ الضعيفُ الذليلُ الذي لا تملكُ لنفسِكَ حولًا ولا طولًا ولا قوةً ولا حياةً .الذكرُ هو التخلصُ مِن الغفلةِ والنسيانِ فتمجدُ وتقدسُ وتسبحُ الواحدَ الديان .فذكرُ اللهِ ترياقُ المذنبين وأنسُ المقطعين وكنزُ المتوكلين وغذاءُ الموقنين وحيلةُ الواصلين ومبدأُ العارفين وطعامُ الموقنين وشرابُ المحبين وبساطُ المقربين .
فعليك بكثرةِ الاستغفارِ (طُوبى لِمن وَجَد في صَحيفتِه استِغفارًا كثيرًا. (كما قال نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم . نغتنمُ هذه العشرَ بالإنفاقِ والجودِ والكرمِ وإخراجِ زكاةِ الفطرِ والحرصِ على أدائِهَا، فرمضانُ شهرُ الجُودِ والكرَمِ، ورسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – كان أجودَ الناسِ “وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاهُ جبريلُ فيعرِضُ عليه القرآنَ، فرسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – أجودُ بالخيرِ مِن الرِّيحِ المُرسَلةِ“.فكُنْ – أيُّها المسلمُ – جوّادًا بالخيراتِ والطاعاتِ التي تُقرِّبُك إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ .. كُنْ جوّادًا كريمًا مُحسِنًا في قولِك وفعلِك وسُلوكِك .. كُن مُحسِنًا بأنواعِ الإحسانِ القوليِّ والفعليِّ.وتذكَّرْ الفقراءَ والمساكينَ في هذه الأيامِ وفي تلكم الأزماتِ .. فلا تنسَوهم بفضلِكُم وإحسانِكُم، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ: 39.
لذا يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ الجِدُّ وَالْاِجْتِهَادُ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَأَلَّا يُضَيِّعَ سَاعَاتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فِي اللَّهْوِ وَالْعَبَثِ، أَوْ جَوْبِ الْأَسْوَاقِ؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يُدْرِكُهَا مَرةً أُخْرَى، بِاخْتِطَافِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ، وَمُفَرِّقِ الْجَمَاعَاتِ، فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.
فيا هذا نَفَسُكَ معدودٌ وعمرُكَ محسوبٌ فكم أملتَ أملاً وانقضَي الزمانُ وفاتَكَ ولا أراكَ تفيقُ حتي تلقَي وفاتَكَ . فاحذرْ ذللَ قدمِكَ, وخفْ طولَ ندمِكَ ,واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ , وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ , وغناكَ قبلَ فقرِكَ , وصحتَكَ قبلَ مرضِكَ وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنَّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
فارفعْ لنفسِكَ قبلَ موتِكَ ذكرَهَا *** فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثان
فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ باغتنامِ أيامِ الرحماتِ أيامِ النفحاتِ أيامِ العتقِ مِن النيرانِ بالطاعاتِ والقراباتِ وبحسنِ الأخلاقِ والإحسانِ إلى الناسِ في كلِّ مكانٍ .فالبدارَ البدارَ بالجدِّ والعملِ والبعدِ عن الكسلِ والخمولِ، البدارَ البدارَ باغتنامِ ما بقىَ مِن رمضانَ فأنَّك لا تدري يامسكينُ هل ستعيشُ إلى رمضانَ المقبلِ أم لا ؟
نسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يتقبلَ منَّا صيامَنَا وقيامَنَا وصلاتَنَا وزكاتَنَا وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ إنّه ولى ذلك ومولاه…
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف